drivingchallenge.com

الكيلو كم سعرة حرارية

June 2, 2024, 7:27 pm

الحنين للماضي حالة نفسية تنتاب عادة كبار السن. أجمل ما فيها أن صاحبها وهو يشتاق للماضي، لا يقابل أحدا ممن عرفهم أيام الشباب خاصة النساء، لأنه لو قابلهن سيراهن عجائز مثله وتنتهي القصة، خاصة إذا كانت بينهم قصص عاطفية يوما ما. هناك هذه الأيام في مصر حنين إجباري للماضي، يشمل الأعمارالمتقدمة والمتوسطة وهي تفكر في ما حولها. المدهش أن الحرب في أوكرانيا كانت السبب فيه. لقد ظهرت موجة من الغلاء بسرعة، حتى تملكني الضحك.. تُلهب الجيوب.. هذه السنة أسعار المعمول وشوكولا العيد بنصف راتب الموظّف!. آه والله الضحك من موجة غلاء الأسعار، التي بدأت في اليوم التالي للهجوم الروسي على أوكرانيا. في اليوم التالي وليس حتى بعد شهر. لا يوجد صبر. وكان السبب ما قيل ورددته بعض القنوات التلفزيونية من استيرادنا للقمح من أوكرانيا، ورغم أن الدولة أعلنت أن ما لدينا يكفينا أربعة أشهر، بعدها سيكون القمح متوفرا من حصاد المزارعين لحقولهم، ولن تكون هناك مشكلة، إلا أن الأمر لم يشمل رغيف الخبز فقط، بل شمل كل شيء. الخضار والفاكهة واللحوم والأسماك، وما تشاء من الطعام، وبدأت المتاجر الكبرى تخفي بعض ما لديها من أجهزة مستوردة، أو مصنعة محليا حتى يأتي يوم قريب ترتفع فيه أسعارها أيضا. هكذا ظهر بوضوح أن الدولة غائبة عن الأسواق وجشع التجار، ورغم أن أحدا لا يصدق أن ذلك يحدث في غياب الدولة، لكني أصدقه إلى حد ما، خاصة أني رأيت من قبل، كيف ليلة ارتفاع سعر البنزين مثلا ربع جنيه للتر، ترتفع أسعار كل شيء في الليلة نفسها بحجة أن نقل البضائع صار مكلفا، رغم أن الزيادة ربع جنيه في اللتر فقط، وأيّ سيارة نقل صغيرة تنقل الخضار لن يكون فوقها أقل من مئتي كيلوغرام.

  1. تُلهب الجيوب.. هذه السنة أسعار المعمول وشوكولا العيد بنصف راتب الموظّف!

تُلهب الجيوب.. هذه السنة أسعار المعمول وشوكولا العيد بنصف راتب الموظّف!

ولو حسبت الزيادة في البنزين ستجدها لا تزيد عن عشرين جنيها لتموين السيارة، فإذا قسمتها على المئتي كيلوغرام سيزداد سعر الكيلو عشرة قروش على الأكثر، لكن الذي يحدث أن سعر الكيلو من الخضار، أو أي نوع من الطعام يزيد جنيهين أو ثلاثة جنيهات. الكيلو كم سعرة حرارية. ومن فضلك زيادة عشرين جنيها في تموين السيارة بالبنزين تكفي لأكثر من مشوار، وليس مشوارا واحدا. المهم عاد الشباب أيضا مع الكبار على الميديا إلى أسعار أيام زمان، فتذكروا أنور وجدي وفيروز في فيلم «ياسمين» الذي أنتج عام 1950 ووجدا في الطريق ليلا ريالا معدنيا، أيّ قطعة معدنية تساوي عشرين قرشا وقتها، فغنت فيروز أغنيتها الفاتنة وأنور وجدي ينفخ في البوق صانعا مقطوعة موسيقية مذهلة، هي أصلا ليست له، ولا كان يعزف، بل هي من فيلم أمريكي قديم كان اسمه «نجمة الشمال». جعلت الموسيقى من الأغنية شيئا فاتنا، رغم الأسف لوقوع الريال من فيروز الصغيرة الجميلة وضياعه أيضا بعد الأغنية.. تقول الأغنية التي عشقناها ونحن اطفال: معانا ريال معانا ريال ده مبلغ عال مهوش بطال نروح في الحال على البقال نجيب أصناف من التموين تكون مليانه بالفيتامين علب سردين وقمر الدين وجوز ولوز وبندق وتين يلا نجيب لحمه وخضار يلا نجيب عربية بكار نجيب ممبار نجيب كفيار وخس واوطه وحمل خيار إلى آخر الأغنية الجميلة.

طبعا لم يعد حكما اشتراكيا تتحمل فيه الدولة المسؤولية، لكن في أي نظام حكم رأسمالي تترك الدولة الأسواق لهذه الفوضي وعدم المسؤولية؟ هذه الفوضى تجعل الناس يتهمون الحكم بأنه السبب والمستفيد مما يحدث. صحيح أن الناس لن تخرج محتجة بعد ما أصاب ثورة يناير/كانون الثاني من فشل وتشويه، لكن لماذا هذا الخصام مع الناس دون مبرر حقيقي؟ ألا يفكر أحد أن النوستالجيا لأسعار الزمن القديم، يمكن أن تأخذ الناس إلى السينمات قديما والمسارح، والمدارس التي كانت مراكز ثقافية بما فيها من جماعات للشعر والتمثيل والموسيقى والرحلات وغيرها ، وإلى الحدائق والشوارع النظيفة، وإلى المستشفيات والعلاج المجاني وفرص العمل وسهولة الزواج إلخ إلخ. نعود إلى الضحك مع النوستالجيا ونفكر، هل كانت الأسعار في مصر على هذا النحو الذي جاء في الأفلام القديمة حقا؟ كانت بالفعل كذلك وارتفعت قليلا في السبعينيات والثمانينيات ثم انفجرت، فالدولار في الثمانينيات لم يتجاوز الجنيه، لكن الأمر تغير في التسعينيات وما بعدها، وتغير أكثر مع السياسة الاقتصادية التي لجأت لتعويم الجنيه منذ خمس سنوات حتى غرق، لكن يظل الوقت الذي أمضيته مع الضحك بسبب الحديث عن أسعار زمان هو الأجمل لي.

اللهم هون برد الشتاء, 2024

[email protected]