شرح كتاب ( رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) [ 1] - YouTube
ويضيف المؤلف أن أكثر ما كتبه المستشرقون إنما كتبوه لبني قومهم لتبشيع صورة الإسلام وأهله في عيونهم ووصم نبيه بالنقائص، وأنهم اتصفوا بصفتين: الأولى أن في قلبه الحمية التي أثارها الصراع بين المسيحية ودار الإسلام. والثانية أن في صميم قلبه كل ما تحمله قلوب خاصة الأوربيين وعامتهم من الأحلام إلى حيازة كل ما في دار الإسلام من كنوز العلم والثروة والحضارة. كما يبين أبو فهر أن ما يفعله المستشرقون لا يمت بصلة إلى المنهج، لأن لغتهم مباينة للغتنا، وثقافتهم مختلفة عن ثقافتنا، ودينهم مغاير لديننا، وهذه كلها أدوات ما قبل المنهج. 3- نهضة ديار الإسلام وكيف أبيدت: تحدث المؤلف في هذا المحور عن نهضة ديار الإسلام، وتطرق إلى الحديث عن خمسة علماء أيقظوا الجماهير من غفلتها، وهم عبد القادر بن عمر البغدادي صاحب خزانة الأدب، ومحمد بن عبد الوهاب، وحسن بن إبراهيم الجبرتي (الكبير) العقيلي، ومحمد بن عبد الرزاق الحسيني المرتضى الزبيدي صاحب تاج العروس، ومحمد بن علي الخولاني الشوكاني الزيدي. يشير المؤلف إلى أن أوروبا خشيت أن تقوم نهضة في قلب العالم الإسلامي كما قامت نهضتهم، فعملت على محاصرتهم ووأد يقظتهم، فأسرعت إنجلترا إلى سواحل الجزيرة العربية لإخماد صحوة ابن عبد الوهاب، وجاء التدبير من الاستشراق الفرنسي لإخماد يقظة الديار المصرية، إذ قيض الله لفرنسا قائدا محنكا هو نابليون فهوى على مهد اليقظة ووضع خطة محكمة تتضمن إقناع المشايخ أن هدف الحملة الفرنسية هو محاربة المماليك وظلمهم، وإثارة الأقباط ضد المسلمين، وتدجين العلماء، وتفقير الشعب، وسرقة الثروة الفكرية للبلاد.
كما ركز العلامة شاكر أيضا على الاحتلال الانجليزي لمصر؛ الذي جعل التعليم في قبضة المبشر الخبيث دنلوب، وأصبح من يريد العلم الديني يتجه للأزهر ومن يريد العلم الدنيوي يتجه إلى المدارس، وهناك استهدف الطلبة لسلخهم من ماضيهم وبعث الانتماء إلى الفرعونية البائدة. قصة التفريغ الثقافي ثم بتفصيل الحديث عن آثار ورواسب هذا التفريغ؛ الذي نعاني منه حتى يومنا هذا، خصص كاتبنا بسطًا زاخرًا بعنوان "قصة التفريغ الثقافي"نصطدم فيها بواقع الحقيقة المروع. يحيكها لنا متفكرًا العلامة شاكر ببراعة قَل لها نظير، وهي ما يعرفه الناس بتسميات مختلفة منها ثقافة العصر والتنوير والتجديد، مواضيع تناولها بالتفصيل في كتابه الشهير "أباطيل وأسمار". اقرأ أيضًا: ما المقصود بالغزو الفكري؟ وما الدليل على أنه ليس وهمًا؟ طه حسين طه حسين أيضًا كان له حضور في كتاب العلامة شاكر؛ فبين كيف أثر فيه المستشرقون خاصة في كتابه "في الشعر الجاهلي"، وبتعمق أكثر وتفصيل أتقن، تمكن كاتبنا بنجاح أن يكشف لنا كيف كان يحاك من تدمير لثقافتنا وتراثنا، واستشهد بشهادة طه حسين نفسه في هذا الباب. مرجع أساس وخلاصة جامعة وفي النهاية فإننا نجد أن العلامة شاكر قد نجح في إيفاء دراسته كل جوانب العرض والبيان، وتناول أصول الغفلة وجذورها؛ التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه بكل براعة وسبق.
ويختم كتابه بالحديث عن آثار ورواسب هذا التفريغ الذي نعاني منه حتى يومنا هذا، ويحكيه -تحت عنوان "قصة التفريغ الثقافي"- بصورة لم نرى أفجع منها حقيقة ولا أروع منها تصويرا بقلم العلامة شاكر، والتي تأتي تحت مسميات عدة كثقافة العصر والتنوير والتجديد مما استوفي بيانه في كتابه "أباطيل وأسمار". وقد فصل بعد ذلك ما تقيأه دكتور طه حسين مما تعلمه على يد المستشرقين خاصة في كتابه "في الشعر الجاهلي"، وما زرعه في نفوس الناس من شكه ثم ما قاله وأثبته دكتور طه حسين بعد ذلك بكلماته، هو بنص حديثه الذي أورده العلامة شاكر من أن الفائز الحقيقي ممن سافر وتعلم في أوروبا هو من أحيا تراثه الإسلامي ولغته العربية ولم يتخلى عن أصوله وتاريخه الإسلامي. وقد أبانت شهادة الدكتور طه التي أوردها العلامة شاكر في آخر سفره ما كان يحاك من تدمير لثقافتنا وتراثنا، سيما وأن الدكتور طه نفسه قد أيقن أخيرا ماذا يراد وراء كلمة تجديد. وفي النهاية نقول إن أبا فهر حاول في هذا الكتاب أن يؤرخ لنا بعين عربية لا تغفل ، لا بعين أوربية تخالطها نخوة وطنية كما حاول البعض.
اللهم هون برد الشتاء, 2024