drivingchallenge.com

بل هم كالانعام بل هم اضل سبيلا

May 20, 2024, 7:30 am

أجل، التوبة في الأصل ندم وحسرة وحرقة في القلب. والمهم هو أن تستشعر أن العيش في الذنوب كالعيش مع العقارب والثعابين، وتلك هي نظرة المؤمن للذنوب، وهكذا فلتكن، وإلّا فهو شكّ بعاقبة الذنوب وعقوبتها. إنّ كلمتي "ذَنْب" و"ذَنَب" من جَذْرٍ واحد، والذنبُ الإثمُ، والذَنَبُ الذيلُ، وعلى هذا فالعبد الذي يقول "رباه أذنبتُ" كـأنه يقول: اللهم إني ثعلب بذَنَب، أو عقرب يلدغ. إن من الأهمية بمكان إظهارَ الندم على فعل الذنب بتسارعِ دقات القلب وسرعةِ تدفق الدم في الأوردة وتغير دورته. ان هم الا كالانعام بل هم اضل سبيلا. 2- أَجَلُ الذنبِ لا بد أن يكون قصيرًا إذا ما زلّ أحدكم في موضعٍ ما، وارتكب ذنبًا وانزلقت قدمه في مستنقع الذنوب، فلينهض من فوره، دون انتظار، وليتطهّر بالتوبة والاستغفار، ليتطهّر ولا يؤجِّل ألبتة؛ فمن ذا الذي يملِكُ سندًا أو وثيقةً تؤكِّدُ أنَّه لن ينتقل إلى ربِّه بعد ساعةٍ وهو يحمل وِزرًا على ظهره أثقل من جبل قَافْ؛ إنَّ الأرواحَ الطاهرةَ تجافيها الراحةُ، ولا تَغمض لها عين مالم تتطهر مما ارتكبته من الذنوب. إنَّ إطالةَ عمر الذنب ولو ثانيةً يضرُّ صاحبَه ولا ينفعه، والأنكى أنَّه توقيرٌ لسوءِ الأدب الذي ارتكبه المذنب في حق الله تعالى، فلا حقَّ لأيِّ ذنبٍ أنْ يعيشَ ولو ثانيةً؛ إذ إنَّه سيغدو ثعبانًا سامًّا يقرِضُ القلب ما لم يُمْحَ بالتوبة فورًا، وإذا ما تكدَّرَ القلبُ مرَّةً تهيَّأ لأكدارٍ أخرى، وهكذا يتردَّى الإنسان في دائرةٍ فاسدةٍ، ويولّد كلُّ ذنب ذنبًا آخر إلى أنْ يتجلَّى سرُّ الآية الكريمة: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ: 83/14).

  1. كالأنعام بل هم أضل

كالأنعام بل هم أضل

إنَّ الأرواحَ الطاهرةَ تجافيها الراحةُ، ولا تَغمض لها عين مالم تتطهر مما ارتكبته من الذنوب. 4- التوازن بين الذنب والتوبة لا بُدَّ لكلِّ ذنبٍ من توبةٍ بقدر عمقه وقبحه ووقاحته؛ لأنَّ الوقوع في الذنبِ كالتردِّي في بئر مليءٍ بالزِّفت، فالسقوط في بئرٍ كهذا يسير، أمَّا الخروج منه فعسيرٌ جدُّ عسير. 5- الاعتراف بحقيقة الذنب إنَّ كلَّ خاطرةٍ تعترضُ بها قلوبُنا على حكم الذنب أقلُّ ما يُقال فيها إنّها ذنب يعدل ارتكاب ذلك الذنب، فلو حدَّثَ زانٍ نفسَهُ من حينٍ إلى آخر قائلًا: "لماذا حرَّمَ الله الزِّنا؟"؛ ولو أنّ امرءًا لا يُفرِّق بين الحلال والحرامِ قال في نفسه: "ليته لم يُشرَعْ شيءٌ اسمُهُ حرام، كم سيكون الأمرُ ممتعًا حينئذ! "؛ فهذه ذنوبٌ أعظمُ من ارتكاب الذنوبِ نفسِها. إذًا لا بُدَّ أن نتصدَّى للذنوبِ وأن نصمُدَ أمام أنفسنا قائلين: "أيها الذنب سعيك هباء، فالأبواب موصدة أمامك والدخول مستحيل! حال الناس مع النعم - طريق الإسلام. ". ولبديع الزمان في هذا الموضوع تشبيهٌ ذو مغزًى عميق؛ يقول: "اجتنبوا -يا إخوتي- الأسباب التي تقدح بالإخلاص وتَثْلِمه كما تجتنبون العقارب والحيات" [1] ؛ وعدوله عن لفظ الأسد أو النمر هنا إلى لفظ العقرب والثعبان لافتٌ للنظر جدًّا؛ لأن الأسد والنمر يهجمان ببسالة وإقدام، فنشعر بهما قبل أن يهجما فنحتاط؛ والعقرب والثعبان والحيّة على خلاف ذلك؛ إذ لا يُعرف من أين ومتى تَدْهَمُنا؟ وهكذا الذنب، فهو غدّار مثل العقرب والثعبان.

والقول الثاني: أن الضمير عائد على الأصنام. ثم فيه قولان أحدهما: أنه على التشبيه أي كأنهم ينظرون إليك ولا أبصار لهم يرونك بها. كالأنعام بل هم أضل. والثاني: المراد به المقابلة تقول العرب: داري تنظر دارك, أي تقابلها, وكذلك السمع ثابت لهم, وبه قامت الحجة عليهم, ومنتف عنهم, وهو سمع القلب فإنهم كانوا يسمعون القرآن من حيث السمع الحسي المشترك, كالغنم التي لا تسمع إلا نعيق الراعي بها دعاء, ونداء, ولم يسمعوه, بالروح الحقيقي, الذي هو روح حاسة السمع, التي هي حظ القلب فلو سمعوه من هذه الجهة: لحصلت لهم الحياة الطيبة التي منشؤها من السماع المتصل أثره بالقلب ولزال عنهم الصمم والبكم ولأنقذوا نفوسهم من السعير بمفارقة من عدم السمع والعقل. [2] وقال أيضا: لم يقتصر سبحانه على تشبيه الجهال بالإنعام, حتى جعلهم اضل سبيلا منهم, وقال (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) [الأنفال: 22] أخبر أن الجهال شر الدواب عنده على اختلاف اصنافها من الحمير والسباع والكلاب والحشرات وسائر الدواب فالجهال شر منهم وليس علي دين الرسل اضر من الجهال بل اعداؤهم على الحقيقة. [3] ________________________________ [1] إعلام الموقعين (1/195) [2] مدارج السالكين (2/410) دار الكتاب العربي بيروت.

اللهم هون برد الشتاء, 2024

[email protected]